الوردة السوداء.......قصة قصيرة
.............................................................
رغمَ أنّي مَولودٌ في هذهِ المدينةِ وأعرفُ كلّ تفاصيلها كَمَا أعرفُ تفاصيلَ أعضاءِ جَسدي لكنّي لَم أكن أعرفُ أنّ في أطرافِ مدينتِنا منتزهاتٌ جميلةٌ جِداً يعشقها القلبُ قبلَ العين ،
شيءٌ وَلا في الخيال ، ملاهي للأطفالِ ونواعيرٌ وشلالاتٌ اصطناعيةٌ وَأصواتُ العصافيرِ التي تملئ المكانَ وكأنها " فيروز " تغني ،
انبهرتُ بما أرى وَصرتُ اسألُ نفسي مَتى بُنيتْ هذهِ المنتزهاتُ وَلِمَ لَمْ أسمعْ بِها؟
بَقيتُ أتجوّلُ وأنا أمَتّعُ ناظِري بِجمالها ،
- الله كأنّها الجنة ،
بينما عَقلي وَناظِري شارِدانِ ، مَرّت بِالقربِ مِنْ أنفي رَائحةٌ زكيّة جداً ،
تابعتُ مَصدرَ تِلكَ الرّائحة ، وَإذْ بي أرى حديقةً مليئةً بالورودِ من كلّ الألوانِ والأنواع ،
دخلتُ وصرتُ أتفَحّصُ الورودَ وأشمّها بنهمٍ كبير
بينما أنا مستمتعٌ بتلكَ الجنّة التي على الأرض ، إذ بأحدٍ يَضعُ يَدهُ عَلى كَتفي مِنَ الخلفِ..
التفتُ لأرى مَنْ يَكون ،
الله ما أجملهُ ،
رجلٌ طويل القامةِ ، وَاسعُ العَينينِ...رقيقُ الابتسامةِ...لامِعُ الوَجهِ ،
يَرتدي ثوباً أبيضاً ناصِعاً يَكادُ يُعمي بَصري ، يحملُ بيَدِه وَردةً سَوداء ،
نظرت إليها ، وأنا مُتَعجبٌ ، لم أرى وَردةً سَوداءَ طوالَ حَياتي وَلَم أسمعْ بِها!
بَقيتُ سَارحاًَ وأنا أنظرُ إلى تلكَ الوردةِ مُستغرباً مِن جِهةٍ وَمنبهراً مِن جِهةٍ أخرى، وكنتُ أرى فيها أشياءَ كثيرةً تَشدّني لمعرفتِها،
ثمّ تَحدّثَ الرجلُ وَقال ،
-كيفَ حالكَ يا بُني ؟
أجبتهُ/ الحمد لله أنا بخير...
- مَا بكَ تنظرُ لهذهِ الوردةِ كثيراً ؟ هل أعجبتك؟
أنا : ليسَ فقط أعجبتني، وَلكني لمَ أرى وَردةً مِثلها مِن قبلُ بَتاتاً وَلَم أسمعْ أنّ هناكَ وَردةً بِهذا الشكل...
الرجل وهو يبتسم/ مَعكَ حَقٌ يَا بُني فهذهِ الوَردةُ ليسَتْ كباقي الورود، إنّها أمانة ،
أجبتهُ مستغرباً/ أيّةُ أمانةٍ يَا سَيدي ؟
-اسمعْ يا بُني لا تسألْ كثيراً ، إنْ كانتْ الوَردةُ قدْ أعجبتكَ ، خذهَا وَأذهب بِها أينما تريدُ وَلكن عَليكَ أنْ تحافظَ عَليها طَوالَ عُمرك ،
أجبتهُ/ كَيفَ أحافظُ عَليها طوالَ عُمري ؟ فالوردُ عُمرهُ قصيرٌ جِداً ؟
- خذ الوردةَ وَاعتَني بِها وَاسقِها كُلّ يَومٍ وَسَتعيشُ مَعَكَ مَا تَبّقى مِنْ عُمرك ،
مَددتُ يَدي لأخذِ الوَردةِ مِنهُ لكنّ الرجلَ أمسكَ بِيَدي وَقالَ ، قبلَ أنْ أعطيكَ الوردة ، هَلْ تُعاهدُ الله أنّكَ ستحافظُ عَليها وَتعتني بِها كَما تعتَني بِعَينيكَ ؟
قلتُ/ أعاهدُ الله وَمِن بَعدهِ أعاهدكَ أنّي سأحافظُ عليها مَا دُمتُ حَيّاً ،
أعطاني الرجلُ الوردةَ وأمسَكتُها بِيدي وإذا بي أرى العَجب ،
فرغمَ تلكَ الرائحةَ الزّكيةَ وَلونَها الجميل، لكنّي أرى أوراقهَا مُتشققةً وعلى يَدي التي أمسكتها بِها تنزلُ قطراتٌ سَاخِنةٌ وَكأنّها قطراتُ دَمٍ لجرحٍ مَا يزالُ حَديثاً ،
أحسَستُ أنها تنظرُ إليّ وتطلبُ منّي أن أداوي جرحها ،
رفعتُ رَأسي لأسألَ الرجلَ عَنْ سِرّ هذهِ الوردةِ ، لكنّي صُدمتُ بأنهُ قد اختفى وَلم يَعدْ لهُ أثر !
رَكضتُ وكنتُ أنادي ، يا سيدي ، أين أنتَ؟ .. وَلكنْ دونَ جَدوى..
فقدْ رَحلَ ذَلكَ الرجلُ دونَ أن أعرفَ مَنْ هوَ حَتّى ،!
أمسكتُ بها، وَعزمتُ العَودةَ إلى البَيتِ ،
صادَفتني في طريقِ عَودتي زَحمةٌ في الشوارعَ مِن الناسِ وَكانوا يَتخبّطونَ وكأنهم يتَعمّدون مضايقتي لتَسقطَ مِنّي الوَردةُ عَلى الأرض ،
لكنّي أخذتُها فِي صَدري وَبنيتُ لهَا حَاجِزاً مِنْ كَفّ يَدي الأخرى وَصِرتُ أمشي بحذرٍ شَديدٍ حَتى وَصلتُ إلى البيت..
وعلى الفورِ دَخلتُ المطبخَ وَجلبتُ كوباً مَلأتهُ بالماءِ وَوضعتُ وَردتي فِيهِ ثمّ دَخلتُ بِها إلى غرفتي وَوضعتُها عَلى الطاوِلةِ التي بِالقربِ مِن سَريري وَجلستُ أتأملها،
شعرتُ بها وكأنها تتنفسُ الصعداءَ ثمّ نظرتْ إليّ وأنزلتْ رأسها وكأنهّا تَنحني تعبيراً عَن الشكر،
بادلتها الانحناءَ... ثمّ استلقيتُ عَلى سَريري لأرتاحَ قليلاً ،
وَبينما أنا هكذا، وإذا بِصوتٍ قَويّ جِدا ً، يرفعني من على السريرِ فسقطتُ أرضاً،
اوه يا الهِي...إنهُ صَوتُ انفجارٍ لَعين...
رَكضتُ إلى الشرفةِ لأرى مَاذا حَدَث وإذا بي أرى سَيّارةً مفخخةً قَد انفجَرت
قربَ حيّنا فتحوّل لجحيمٍ تشتعلُ النهار فيهِ ، وهناكَ العشراتُ مِن الأبرياء...
أدمعتْ عينايَ مِن هولِ مَا رأتْ وأيقنتُ أنّ اللحظاتِ الجميلةِ التي عِشتُها فِي الجنةِ
مَا كانتْ إلا بحلمٍ وَأنْ لا وجودَ لتلكَ الجنةِ التي رأيتها مُنذ ساعةٍ تقريباً ،
بينما أنا فِي الشرفةِ أشاهدُ الفاجعةَ بَعدَ الانفجارِ، التفتُ إلى سريري لأرى نفس الكوب الذي ملأتهُ بالماء ، ولكن من دون وردة .
الكاتب
اكرم عبدالله
.............................................................
رغمَ أنّي مَولودٌ في هذهِ المدينةِ وأعرفُ كلّ تفاصيلها كَمَا أعرفُ تفاصيلَ أعضاءِ جَسدي لكنّي لَم أكن أعرفُ أنّ في أطرافِ مدينتِنا منتزهاتٌ جميلةٌ جِداً يعشقها القلبُ قبلَ العين ،
شيءٌ وَلا في الخيال ، ملاهي للأطفالِ ونواعيرٌ وشلالاتٌ اصطناعيةٌ وَأصواتُ العصافيرِ التي تملئ المكانَ وكأنها " فيروز " تغني ،
انبهرتُ بما أرى وَصرتُ اسألُ نفسي مَتى بُنيتْ هذهِ المنتزهاتُ وَلِمَ لَمْ أسمعْ بِها؟
بَقيتُ أتجوّلُ وأنا أمَتّعُ ناظِري بِجمالها ،
- الله كأنّها الجنة ،
بينما عَقلي وَناظِري شارِدانِ ، مَرّت بِالقربِ مِنْ أنفي رَائحةٌ زكيّة جداً ،
تابعتُ مَصدرَ تِلكَ الرّائحة ، وَإذْ بي أرى حديقةً مليئةً بالورودِ من كلّ الألوانِ والأنواع ،
دخلتُ وصرتُ أتفَحّصُ الورودَ وأشمّها بنهمٍ كبير
بينما أنا مستمتعٌ بتلكَ الجنّة التي على الأرض ، إذ بأحدٍ يَضعُ يَدهُ عَلى كَتفي مِنَ الخلفِ..
التفتُ لأرى مَنْ يَكون ،
الله ما أجملهُ ،
رجلٌ طويل القامةِ ، وَاسعُ العَينينِ...رقيقُ الابتسامةِ...لامِعُ الوَجهِ ،
يَرتدي ثوباً أبيضاً ناصِعاً يَكادُ يُعمي بَصري ، يحملُ بيَدِه وَردةً سَوداء ،
نظرت إليها ، وأنا مُتَعجبٌ ، لم أرى وَردةً سَوداءَ طوالَ حَياتي وَلَم أسمعْ بِها!
بَقيتُ سَارحاًَ وأنا أنظرُ إلى تلكَ الوردةِ مُستغرباً مِن جِهةٍ وَمنبهراً مِن جِهةٍ أخرى، وكنتُ أرى فيها أشياءَ كثيرةً تَشدّني لمعرفتِها،
ثمّ تَحدّثَ الرجلُ وَقال ،
-كيفَ حالكَ يا بُني ؟
أجبتهُ/ الحمد لله أنا بخير...
- مَا بكَ تنظرُ لهذهِ الوردةِ كثيراً ؟ هل أعجبتك؟
أنا : ليسَ فقط أعجبتني، وَلكني لمَ أرى وَردةً مِثلها مِن قبلُ بَتاتاً وَلَم أسمعْ أنّ هناكَ وَردةً بِهذا الشكل...
الرجل وهو يبتسم/ مَعكَ حَقٌ يَا بُني فهذهِ الوَردةُ ليسَتْ كباقي الورود، إنّها أمانة ،
أجبتهُ مستغرباً/ أيّةُ أمانةٍ يَا سَيدي ؟
-اسمعْ يا بُني لا تسألْ كثيراً ، إنْ كانتْ الوَردةُ قدْ أعجبتكَ ، خذهَا وَأذهب بِها أينما تريدُ وَلكن عَليكَ أنْ تحافظَ عَليها طَوالَ عُمرك ،
أجبتهُ/ كَيفَ أحافظُ عَليها طوالَ عُمري ؟ فالوردُ عُمرهُ قصيرٌ جِداً ؟
- خذ الوردةَ وَاعتَني بِها وَاسقِها كُلّ يَومٍ وَسَتعيشُ مَعَكَ مَا تَبّقى مِنْ عُمرك ،
مَددتُ يَدي لأخذِ الوَردةِ مِنهُ لكنّ الرجلَ أمسكَ بِيَدي وَقالَ ، قبلَ أنْ أعطيكَ الوردة ، هَلْ تُعاهدُ الله أنّكَ ستحافظُ عَليها وَتعتني بِها كَما تعتَني بِعَينيكَ ؟
قلتُ/ أعاهدُ الله وَمِن بَعدهِ أعاهدكَ أنّي سأحافظُ عليها مَا دُمتُ حَيّاً ،
أعطاني الرجلُ الوردةَ وأمسَكتُها بِيدي وإذا بي أرى العَجب ،
فرغمَ تلكَ الرائحةَ الزّكيةَ وَلونَها الجميل، لكنّي أرى أوراقهَا مُتشققةً وعلى يَدي التي أمسكتها بِها تنزلُ قطراتٌ سَاخِنةٌ وَكأنّها قطراتُ دَمٍ لجرحٍ مَا يزالُ حَديثاً ،
أحسَستُ أنها تنظرُ إليّ وتطلبُ منّي أن أداوي جرحها ،
رفعتُ رَأسي لأسألَ الرجلَ عَنْ سِرّ هذهِ الوردةِ ، لكنّي صُدمتُ بأنهُ قد اختفى وَلم يَعدْ لهُ أثر !
رَكضتُ وكنتُ أنادي ، يا سيدي ، أين أنتَ؟ .. وَلكنْ دونَ جَدوى..
فقدْ رَحلَ ذَلكَ الرجلُ دونَ أن أعرفَ مَنْ هوَ حَتّى ،!
أمسكتُ بها، وَعزمتُ العَودةَ إلى البَيتِ ،
صادَفتني في طريقِ عَودتي زَحمةٌ في الشوارعَ مِن الناسِ وَكانوا يَتخبّطونَ وكأنهم يتَعمّدون مضايقتي لتَسقطَ مِنّي الوَردةُ عَلى الأرض ،
لكنّي أخذتُها فِي صَدري وَبنيتُ لهَا حَاجِزاً مِنْ كَفّ يَدي الأخرى وَصِرتُ أمشي بحذرٍ شَديدٍ حَتى وَصلتُ إلى البيت..
وعلى الفورِ دَخلتُ المطبخَ وَجلبتُ كوباً مَلأتهُ بالماءِ وَوضعتُ وَردتي فِيهِ ثمّ دَخلتُ بِها إلى غرفتي وَوضعتُها عَلى الطاوِلةِ التي بِالقربِ مِن سَريري وَجلستُ أتأملها،
شعرتُ بها وكأنها تتنفسُ الصعداءَ ثمّ نظرتْ إليّ وأنزلتْ رأسها وكأنهّا تَنحني تعبيراً عَن الشكر،
بادلتها الانحناءَ... ثمّ استلقيتُ عَلى سَريري لأرتاحَ قليلاً ،
وَبينما أنا هكذا، وإذا بِصوتٍ قَويّ جِدا ً، يرفعني من على السريرِ فسقطتُ أرضاً،
اوه يا الهِي...إنهُ صَوتُ انفجارٍ لَعين...
رَكضتُ إلى الشرفةِ لأرى مَاذا حَدَث وإذا بي أرى سَيّارةً مفخخةً قَد انفجَرت
قربَ حيّنا فتحوّل لجحيمٍ تشتعلُ النهار فيهِ ، وهناكَ العشراتُ مِن الأبرياء...
أدمعتْ عينايَ مِن هولِ مَا رأتْ وأيقنتُ أنّ اللحظاتِ الجميلةِ التي عِشتُها فِي الجنةِ
مَا كانتْ إلا بحلمٍ وَأنْ لا وجودَ لتلكَ الجنةِ التي رأيتها مُنذ ساعةٍ تقريباً ،
بينما أنا فِي الشرفةِ أشاهدُ الفاجعةَ بَعدَ الانفجارِ، التفتُ إلى سريري لأرى نفس الكوب الذي ملأتهُ بالماء ، ولكن من دون وردة .
الكاتب
اكرم عبدالله